الحلقة الأولى من خمس حلقات
إن التعافي من الإدمان ليس عملية مثالية ولا يسير في خط مستقيم، بل هو أشبه بمسار متعرج، ممتلئ بالانكسارات والانعطافات، يحتوي على تقلبات وتحديات.
في هذا المقال، نتناول الفارق بين الزلة، الانتكاسة، والارتداد الكامل، وكيفية التعامل مع كل منهم دون الوقوع في فخ المثالية الذي قد يعيقنا من في رحلة تعافينا.
مفهوم الزلة في التعافي
تحدث الزلة عندما يقوم الشخص بارتكاب المقدمات الأولى أو يعود لفعل قد يكون مرتبطًا بالإدمان، لكنه يتراجع سريعًا قبل أن يتفاقم الوضع وربما قبل تمام حدوث اللذة المرتبطة بالسلوك الإدماني.
على سبيل المثال، قد يشاهد مدمن المواد الإباحية مقطعًا صغيرًا أو يتورط في محادثة جنسية ولكنه يتوقف بسرعة ويعود لوعيه، ويهرع لممارسة طقوس برنامجه التعافي.
والزلة هي جزء طبيعي ومتوقع في رحلة التعافي، وهي لا تعني فشل الشخص، بل هي مجرد عقبة مؤقتة يمكن تجاوزها نحو المواصلة، بل واستعمالها لتحسين جودة تعافينا بما تعلمنا إياه عن ثغرات برنامجنا.
يقول الكثير من خبراء التعافي: “الزلات هي جزء من التعافي.” وما يهم هو أن المدمن يستطيع أن يتذكر دوره في برنامج التعافي ويتخذ الإجراءات المناسبة للتوقف عن الاستمرار في هذه الزلة.
الزلات تعلمنا شيئًا مهمًا: ليست كل لحظة ضعف تعني أننا خسرنا المعركة. فالأهم هو كيف نستجيب بعد الزلة، وكيف نعود بسرعة إلى مسار الشفاء.
مفهوم الانتكاسة
وعلى النقيض من الزلة، الانتكاسة هي عودة كاملة إلى السلوك الإدماني وما يرتبط به من لذة لحظية مؤقتة وتخدير عابر للألم، فعلى سبيل المثال، إذا استسلم مدمن المواد الإباحية بالكامل، وترك نفسه لمشاهدة أفلامًا إباحية لنفس الوقت المعتاد وربما بنفس ما يصحبها من عادات وطقوس، فهذه تعد انتكاسة. ولا شك أنها تمثل تراجعًا أكبر وأكثر خطورة من الزلة.
أهم ما يجب فهمه هنا هو أن الانتكاسة ليست نهاية المطاف، بل هي أيضًا قد تعد جزءًا من عملية التعافي. كما هو الحال في الزلة، ما يهمنا هنا هو كيف نستجيب للانتكاسة؟
فالانتكاسة قد تكون بمثابة نقطة تحول للشخص إذا تعلم منها واستطاع بعدها العودة أقوى وأكثر وعيًا بثغراته ومواطن ضعفه ومساحات عجزه. لذا، بعد الانتكاسة، يحتاج الشخص أن يتحلى بقدر ما يمكنه من الصبر والمرونة وأن يجتهد في ألا تسحبه الانتكاسة إلى انتكاسات متتالية، فأخطر ما في الانتكاسة أنها تدعو دومًا لانتكاسة تالية بفعل ما تبثه فينا من احباط ويأس.
الارتداد الكامل: مرحلة الخطر الأكبر
الارتداد الكامل هو العودة إلى نفس السلوكيات القديمة التي كان الشخص قد ابتعد عنها لدرجة أنه يشعر وكأنه عاد إلى نقطة الصفر، نفس معدلاته وطقوسه ودورته الادمانية النشطة، بكل ما يرتبط بها من عيوب شخصية وألاعيب علائقية.
وهذه المرحلة خطيرة لأنها تمثل استعادة البرمجة للسلوكيات الإدمانية وربما صعوبة أكبر في تحقيق الامتناع واستعادة مسار التعافي، لذا يتطلب الارتداد الكامل تدخلًا عاجلًا واستراتيجية قوية للعودة إلى طريق الشفاء.
وهذه المرحلة قد تكون مدمرة إذا لم يكن لدينا الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، فتوالي الانتكاسة بعد الانتكاسة هي المشكلة الكبرى المفضية للارتداد، وامتناع المدمن بالأخص بعد الانتكاسة هو بطولة في ذاته.
مفاهيم مهمة في التعافي
النمو بدلاً من الكمال
من الأخطاء الشائعة في التعافي (السعي نحو الكمال)، هذا التوجه الذي قد يؤدي إلى الإحباط والفشل. فبدلاً من ذلك، نحتاج إلى التركيز على النمو المستمر والتحسن التدريجي. وكما يقال في مجموعات الدعم: “نحن نسعى إلى التقدم، لا الكمال”.
التعافي: عملية تدريجية ونمو مستمر
أحد المفاهيم الأساسية التي يجب أن يدركها كل مدمن في رحلة التعافي هو أن التعافي عملية نمو مستمرة وليست حالة ثابتة من الكمال.
البعض منا قد يعتقد أن مجرد الابتعاد عن المادة الإدمانية أو السلوك الإدماني يعني أنه قد تعافى، لكن الحقيقة أن التعافي يتطلب تغيير نمط الحياة بالكامل، ولا يعني فقط الامتناع عن المادة الإدمانية، إنما تغيير شامل في التوجه، وطريقة التفكير والتفاعل مع الذات ومع الآخرين.
التعافي هو تغيير للعدسة التي نرى بها العالم، عملية إصلاح للمنزل الداخلي، وترتيب الفوضى النفسية والحياتية التي سببها الإدمان، وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية والروحانية .
أهمية الاتصال في التعافي
جزء مهم من التعافي هو الاتصال، الاتصال بالذات، بالآخرين، وبالله. يحتاج الشخص الذي يسعى إلى التعافي إلى أن يكون على اتصال مستمر مع الآخرين الذين يشاركونه نفس التجربة، وذلك من خلال مجموعات الدعم والزمالات وما سواها. وكلما زاد هذا الاتصال، كلما تعمق الشعور بالشفاء والتحرر من سطوة الإدمان.
التعافي لا يحدث في يوم وليلة، بل هو عملية وصيرورة تحتاج إلى وقت وجهد وصبر. ويحتاج المدمن ألا يسمح بتسرب الشعور باليأس أو الاستسلام إذا لم يلاحظ التغيير فورًا، فكل يوم يقضيه المدمن في السعي نحو التعافي هو خطوة نحو الشفاء، حتى لو لم يكن قادرًا على رؤية النتائج بشكل مباشر.
التوقف الكامل والتعافي التدريجي
يجب أن يكون واضحًا أن التوقف عن المادة الإدمانية يجب أن يكون قطعًا كاملاً، ولا يجب على الشخص أن يحاول التدرج في التوقف. فالتدرج في التوقف قد يكون مجرد وسيلة للإنكار والاستمرار في الإدمان بشكل غير مباشر. لكن في نفس الوقت، التحرر النفسي والعاطفي من تأثيرات الإدمان النفسية ومن الشخصية الإدمانية يستغرق وقتًا، وهذه العملية تحتاج إلى صبر وتفهم.
لذا نضع تلك القاعدة (قطع تام وفطام فوري .. وانتصار تدريجي بطيء)
الخلاصة
التعافي من الإدمان هو انتصار تدريجي، خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.
الزلة جزء طبيعي من هذه الرحلة، والانتكاسة يمكن أن تكون فرصة للتعلم والنمو. المهم هو عدم الاستسلام، وأن نفهم أن التعافي ليس مجرد امتناع عن المادة الإدمانية، بل هو عملية مستمرة للنمو الشخصي وتغيير نمط الحياة.
كل يوم نقضيه في التعافي يساهم في شفائنا الداخلي، حتى لو لم يكن هذا الشفاء واضحًا وسريع التجلي في بعض الأحيان.
الثقة بالعملية والصبر يمثلان ركيزتا النجاح في التعافي، ونحتاج ألا ننسى أن أصعب يوم في التعافي أفضل من أجمل يوم في حياة الإدمان.