في عالم يتسم بالتغير السريع والتحديات المستمرة، يصبح فهم علاقتنا بالالتزام أمرًا حيويًّا للنمو الشخصي والمِهني. هذه المقالة تستكشف المراحل الخمسة للموقف من الالتزام، نسعى فيها لتقديم نظرة عميقة لكيفية تطوُّر علاقتنا بالمسؤولية والواجب عبْر الزمن.
في آخر المقال شاركنا الوضع الذي يَغلب على موقفك الحالي.
مقدمة: قبول دينامية الالتزام
قبل أن نغوص في المراحل الخمسة، من المهم أن نفهم أن هذه المراحل ليست خطِّية بالضرورة، بل يمكن للفرد أن يتنقل بين هذه المراحل في يوم واحد أو حتى في ساعة واحدة اعتمادًا على الظروف والحالة النفسية. هذا الفهم يساعدنا على تقبُّل تقلبات مواقفنا وتطوير استراتيجيات للتعامل معها تعامُلًا أفضل.
المرحلة الأولى: التنصل من المسؤولية
في هذه المرحلة نجِد أنفسَنا نميل إلى إلقاء اللوم على الآخَرين أو الظروف الخارجية لتبرير عدم التزامنا أو فشلنا؛ نشعر كأن الأحداث “تحدث لنا” وليس “بسببنا”، متجنبين تحمُّل المسؤولية عن موقفنا الوجودي الحالي. فعلى سبيل المثال قد يقول أحدُنا: “أنا لم أنجح في عملي لأن مديري صعب المِراس” أو “لم أستطع إنهاء المشروع لأن الظروف كانت ضدي”.
إننا نحتاج لنتمكن من تجاوز تلك المرحلة إلى تبني عقلية النمو؛ العقلية التي ترى التحديات فُرصًا للتعلم تساعدنا في التقدم نحو مرحلة أكثر مسؤولية.
المرحلة الثانية: المسؤولية المرتبطة بالإملاءات الخارجية
في هذه المرحلة نجِد أنفسنا نلتزم ولكن بسبب الضغوط الخارجية أو الخوف من العواقب. نشعر كأننا في حالة عبودية تجاه المواعيد النهائية أو توقعات الآخَرين، ونؤدي المهام بدافع الخوف أكثر من الرغبة الداخلية. مثال على ذلك موظف يقول: “أنا أعمل على هذا المشروع فقط لأن المدير يريده غدًا، وإلا سأفقد وظيفتي”.
للتطور من هذه المرحلة من المهم البحث عن المعنى وراء المهام المطلوبة واكتشاف المرء لرغبته وامتلاكه لدوافعه الذاتية، عبْر ربط الأهداف الخارجية بالقيَم الشخصية، وربما البدء مبكرًا منفصلين عن الاضطرار، والتوقف عن دفع أنفسنا لضِيق اللحظات الأخيرة، وربما التفاوض على المواعيد النهائية أو المتطلبات كلما أمكن ذاك. هذا النهج يساعدنا في الانتقال نحو شعور أكثر داخلية بالمسؤولية.
المرحلة الثالثة: المسؤولية الداخلية المَبنية على “ما ينبغي” (عبودية الصوت الداخلي)
في هذه المرحلة نجِد أننا قد استدمجنا الصوتَ الخارجي والإلزامَ الاجتماعي وجعلناه داخليًّا كنوع من توبيخ الضمير؛ فنشعر بالذنب أو عدم الكفاية عند عدم تلبية التوقعات، وينبع الالتزام بالفعل من شعور قاسٍ بالواجب. مثال على ذلك شخص يقول لنفسه: “يجب أن أكون أبًا مثاليًّا وأقضي كل لحظة فراغ مع أطفالي، وإلا فأنا مقصِّر”.
للتقدم من هذه المرحلة من المهم التمييز بين القيَم الشخصية الحقيقية والتوقعات المفروضة من المجتمع، مع ممارسة التراحم الذاتي والرفق بالنفْس والتخلي عن وهم إمكان الكمالية. كما أن إعادة صياغة “يجب” إلى “أختار” و”أحتاج” في حوارنا الداخلي من الممكن أن تُساعدنا في الشعور بمزيد من التحكم في التزاماتنا.
المرحلة الرابعة: الالتزام الذاتي المرتكز على المعنى والرغبة
في هذه المرحلة نطوِّر فهمًا عميقًا للدوافع الشخصية وراء التزاماتنا، فنشعر بالتوافق بين أفعالنا وقيَمنا الشخصية، ونستمتع بالعمل والالتزام لاتصاله بالرغبة ومنظومة القيَم الشخصية المختارة والتفضيلات الذاتية حتى في وجود التحديات. مثال على ذلك شخص يقول: “أنا أدرس اللغة الفرنسية لأنني أحب الثقافة الفرنسية، وأرى كيف ستفتح لي آفاقًا جديدةً في حياتي المهنية والشخصية”.
للحفاظ على هذه المرحلة من المهم الاستمرار في التأمل الذاتي وإعادة تقييم الأهداف بانتظام، مع الاحتفال بالإنجازات الصغيرة في رحلة الالتزام ومشاركة الشغف والمعنى مع الآخَرين.
المرحلة الخامسة: الالتزام الذاتي المستمر في حالة ضبابية المعنى
في هذه المرحلة المتقدمة نطوِّر القدرة على الاستمرار في الالتزام حتى عندما يتلاشى الشغف مؤقتًا ويحدث نوعٌ من ضبابية الاتصال بالرغبة أو حتى تشكُّك في القيَم.
إذ نفهم أن التقلبات في المشاعر وتذبذب الدوافع أمرٌ طبيعي، فنثق في قراراتنا السابقة وقيَمنا الأساسية ونُتابع المُضي قُدمًا في سبيل تحققها حتى في أوقات الشك.
مثال على ذلك: شخص يستمر في دراسة اللغة الفرنسية حتى في الأيام التي يشعر فيها بالإحباط أو عدم الرغبة، مدركًا أن هذه المشاعر مؤقتة وأن هدفه الأكبر لا يزال قائمًا.
للنجاح في هذه المرحلة من المفيد تطوير روتين ثابت يدعم التزاماتنا حتى في أوقات نقص الدافع، مع الاستمرار في ممارسة الصبر والرحمة الذاتية خلال فترات الارتباك والحيرة.
كما أن الاستعانة بشبكة دعم من الأصدقاء أو المرشدين يُمكن أن يساعدنا في تجاوز الأوقات الصعبة والحفاظ على التزامنا على المدى الطويل.
الخاتمة: تبني رحلة الالتزام كفرصة للنمو
فهم هذه المراحل الخمسة للموقف من الالتزام يمكن أن يكون أداةً قويةً للنمو الشخصي والمِهني؛ من خلال إدراك المرحلة التي نمر بها في أي وقت يمكننا اتخاذ خطوات واعية للتقدم نحو مستوى أعمق من الالتزام الذاتي ومن ثَم الرضا عن موقعنا الوجودي.
من المهم أن نتذكر دائمًا أن التنقل بين هذه المراحل أمرٌ طبيعي وجزءٌ من رحلة التطور الشخصي. المفتاح هو الاستمرار في التأمل الذاتي، وتحدي أنفسنا للنمو، والحفاظ على التعاطف مع أنفسنا والآخَرين خلال هذه العملية.
بتبني هذا الفهم العميق للالتزام نفتح الباب لحياة أكثر معنى وإنجازًا، حيث نعمل بتناغُم مع قيَمنا الحقيقية ونحقق إمكاناتنا الكامنة.
وهذه الرحلة -رغم تحدياتها- تُقدم لنا فرصةً فريدةً للنمو والتطور، مما يجعلنا أكثر وعيًا بذواتنا وأكثر قدرةً على تحقيق أهدافنا بطريقة متوازنة ومُرضية.
بعدما تعرفتَ على الأوضاع الخمسة للموقف من الالتزام، أين تعتقد أنك تقف الآن؟ شاركنا رأيك وصوِّت على الوضع الذي يَغلب على موقفك الحالي.
طب أفرض الصوت الداخلي ( جلد الذات ) فقد تأثيره خالص مبقاش بيقدر يحفزني على الإنجاز بل بالعكس ده شالل حركتي و مكتفني مخليني مش عايزه أعمل أي حاجة !!
شكرا على الموضوع والتفصيل العميق السلس البسيط .. اختصرت لنا 🙏🏼🫶🏼
بتنقل بين ال ٣ أوضاع على حسب كل جانب في حياتى ،، بين ( الينبغيات والالتزام المبنى على الرغبه والمعنى والإلتزام المبنى على الرغبه رغم ضبابيه المعنى) وعندى تثبيت أكتر ف الينبغيات وضبابية المعنى.