مرحبًا بكم من جديد في سلسلة مقالات “رحلة اليقظة الذهنية”. في الحلقة الأولى، تعرفنا على مفهوم اليقظة الذهنية وكيف يمكن للحضور الواعي أن يساهم في اعادة التوازن في حياتنا اليومية ويجعلنا أكثر اتصالًا بذواتنا. أما في هذه الحلقة الثانية، نخوض في أهم الآثار والفوائد التي يمكن أن تحققها اليقظة الذهنية، من تجربة الحرية الداخلية إلى تحسين جودة علاقاتنا مع الآخرين. وفي الحلقة القادمة، سنأخذ خطوة عملية مع تمرين تطبيقي يساعدك على بدء رحلتك مع اليقظة الذهنية.
البحث عن التجربة الروحية والوجودية
لا يمكن فصل حاجة الإنسان عن البحث عن تجربة روحية عميقة. سواء كان ذلك اتصالًا بالله، أو حتى بالآخرين، نحن كبشر نميل بطبيعتنا إلى البحث عن معنى أعمق لحياتنا. اليقظة الذهنية تفتح الباب لهذه التجربة.
في ممارسات التأمل واليقظة الذهنية، نجد ما يُشبه شعائر روحية مُبسطة. في جوهرها، تركز اليقظة على الحضور الكامل، مما يُعيد الإنسان إلى ذاته ويُشعره بالرحابة الداخلية. هذا ما يجعلها متقاطعة مع مفاهيم روحية عبر مختلف الثقافات مثل التصوف الإسلامي، البوذية، الكابالا اليهودية، وحتى المسيحية.
الحرية الداخلية: الشعور بالانعتاق
أحد أعظم الآثار لليقظة الذهنية هو الشعور بالحرية الداخلية، أو ما يمكن تسميته بـ”الانعتاق”. في هذا السياق، الانعتاق يعني التحرر من قيود الماضي، المخاوف، ومن الأحكام التي تُقيدنا.
فهم الانعتاق:
هو التحرر من الألم النفسي الناجم عن التعلق بالماضي.
هو تقبل الواقع كما هو، دون مقاومة.
هو التخلص من الأعباء العاطفية والمعتقدات المُرهقة التي تحاصرنا.
كيف تحققه اليقظة؟ اليقظة تعلمنا أن نعيش اللحظة الحالية دون محاولة الهروب منها. عندما نواجه مشاعرنا وأفكارنا بوعي كامل دون تجنب، نبدأ في التخلص التدريجي من أثرها السلبي. كما أن هذا الشعور بالتحرر موجود في كل الفلسفات العميقة، مثل التصوف الإسلامي الذي يدعو إلى “الصبر الجميل” أو في الفلسفات الشرقية التي تصف “القبول الجذري”.
تحسين جودة العلاقات: الحضور الكامل مع الآخرين
في عصر التكنولوجيا، نادراً ما نكون حاضرين بشكل كامل مع من نحب. نحن مشغولون بالهواتف، رسائل الواتساب، أو التفكير في مشاكلنا اليومية. اليقظة الذهنية تُعيدنا إلى جوهر العلاقات: جودة الحضور.
ماذا تعني جودة الحضور؟
أن يكون أحدنا حاضرًا بجسده وروحه مع الشخص الآخر.
أن يستمع بصدق ويتفهم مشاعر الآخرين.
أن يركز على اللحظة المشتركة بدلًا من الانشغال بما هو خارجها.
أمثلة واقعية:
قضاء ساعة واحدة يوميًا مع طفلك بحضور كامل أفضل من أيام طويلة من التواجد الجسدي فقط.
جلسة حوارية عميقة مع شريكنا في الحياة، نركز فيها على مشاعره واحتياجاته، يمكن أن تُعيد بناء العلاقة.
اليقظة الذهنية تعلمنا أن “الجودة” تفوق “الكمية”. لا يتعلق الأمر بعدد الساعات التي نقضيها مع من نحب، بل بمدى حضورنا ووعينا خلال هذه الساعات.
التخلص من التجنب: حياة أكثر أصالة
نعيش كثيرًا من حياتنا في حالة هروب أو تجنب للمشاعر والمواقف الصعبة. لكن كل مرة نحاول فيها تجنب مشكلة ما، يكبر أثرها السلبي علينا.
كيف تُساعد اليقظة؟
اليقظة تعلمنا مواجهة التحديات بدلًا من الهروب منها.
تجعلنا نعيش حياة أكثر أصالة، حيث نتعامل مع الأمور بشجاعة ووضوح.
مثال: بدلًا من تجنب الحوار مع شخص مقرب بسبب مشكلة عالقة، يمكن لليقظة أن تُساعدك على مواجهة الموقف بوعي، مما يُحسن علاقتك ويُخفف من التوتر.
التأثير الروحي العميق: تقاطع عالمي
اليقظة الذهنية ليست مقتصرة على ثقافة أو دين واحد، بل تتقاطع مع كثير من الممارسات الروحية في العالم. على سبيل المثال:
الذكر في الإسلام يُشبه ممارسة التأمل في تركيزه على الحضور مع الله.
الصلاة في مختلف الديانات تُعزز الوعي والرحابة الداخلية.
التأمل البوذي واليوغا يشجعان على تقبل الذات وتحريرها من الألم.
هذا التقاطع يعكس أن اليقظة ليست مجرد أداة نفسية، بل هي رحلة روحية أيضًا، تساعدنا على تحقيق السلام الداخلي والانفتاح على العالم.
خاتمة الحلقة الثانية: إلى اللقاء مع التطبيق العملي
في هذه الحلقة، استعرضنا الأثر العميق لليقظة الذهنية على حياتنا، من التحرر الداخلي إلى تحسين علاقاتنا وتعزيز روحانيتنا. هذه ليست سوى بداية الطريق؛ في الحلقة القادمة، سنقدم تمرينًا عمليًا بسيطًا يمكنك تطبيقه لبدء ممارسة اليقظة الذهنية.
ابقوا معنا في الحلقة الثالثة لتجربة التمرين!
بقلم د. عمرو مرسي
استنادًا إلى محتوى د. عماد رشاد المُقدَّم في الفيديو المصاحب للمقال
ازاي اليقظه بتعلمنا مواجهه التحديات؟ ماانا هواجهه التحديات في حياتي كدا كدا سواء بيقظه او لا؟