في عالَم التفكير المفرط، حيث تتزاحم الأفكار والمشاعر في دوامة لا تنتهي، قد يقع المرء فريسةً لتشوهات معرفية تؤَثر على رؤيته للعالم. ويُعد الاستنتاج المبني على العاطفة أو ما يُعرف بـ Emotional Reasoning من بين أبرز هذه التشوهات، والذي يشير إلى ميل الشخص إلى الاعتقاد بأن مشاعره السلبية تعكس حقائقَ ثابتةً عن الواقع، مما يؤدي إلى تفسيرٍ غير دقيق وغير موضوعي للأحداث والمواقف، ويؤَثر تأثيرًا كبيرًا على الصحة النفسية والعاطفية للأفراد.
أمثلة على الاستنتاج المبني على العاطفة:
- عند الشعور بالقلق والخوف: قد يعتقد الشخص الذي يعاني من القلق المفرط أن قلقه هو الدليل على وجود خطر وشيك، حتى لو لم يكن هناك أي دليل ملموس يدعم هذا الاعتقاد. حتى يكاد البعض يعتبر قلقه حدْسًا أو إلهامًا ربانيًّا أو رسالةَ تحذيرٍ قدَرية.
- عند الشعور بالحزن والاكتئاب: قد يعتقد الشخص المكتئب أن حزنه دليلٌ على أنه شخص فاشل أو غير محبوب، حتى لو كان لديه عديد من الإنجازات والعلاقات الإيجابية في حياته.
- الشعور بالغضب والاستياء: قد يعتقد الشخص الغاضب أن غضبه دليل على أن الآخَرين يتعمدون إيذاءه أو استغلاله، حتى لو لم يكن هناك أي دليل موضوعي على ذلك.
العلاقة الخفيَّة المقلوبة بين الشعور والفكرة:
في الاستنتاج المبني على العاطفة، تحدث عمليةُ قلبٍ وتعديلٍ للمسار الطبيعي، حيث تُصبح المشاعر هي الأساس الذي نبني عليه أفكارنا ومعتقداتنا، بدلًا من أن تكون الأفكار هي التي توَلد المشاعر وترتكز عليها الوجدانات. مما يَخلق حلقةً مفرغةً من التفكير السلبي، حيث تؤدي المشاعر السلبية إلى أفكار سلبية، والتي بدورها تؤدي إلى مزيدٍ من المشاعر السلبية.
المعتقَد الغائب: المشاعر حقيقية، لكنها ليست الحقيقةَ ذاتَها:
يَكمن جوهر المشكلة في الاعتقاد الخطأ بأن مشاعرنا تُمثل دائمًا حقيقةً واقعية. في حين أن المشاعر -بلا شك- حقيقيةٌ ومُهمة، إلا إنها ليست بالضرورة انعكاسًا دقيقًا للواقع. إذ قد تتأثر مشاعرنا بعديد من العوامل، مثل تجاربنا السابقة، ومعتقداتنا الأساسية، وحالتنا الجسدية أيضًا.
الحلول لمواجهة الاستنتاج المبني على العاطفة:
لمواجهة هذا النوع من التشوهات المعرفية، من المهم اتباع خطوات تساعدنا في تعزيز التفكير العقلاني والتفريق بين الشعور والواقع. إليك بعض النصائح:
- التفكير في الحقائق: عند الشعور بمشاعر سلبية، نحاول التحقق من الحقائق. فنسأل أنفسنا ما هي الأدلة التي تدعم أو تنفي الفكرةَ التي توصَّلنا إليها بِناءً على مشاعرنا. قد نجِد أن الحقائق لا تدعم استنتاجاتنا السلبية.
- التمييز بين المشاعر والحقائق: من الضروري الاعتراف بأن مشاعرنا حقيقية وصادقة، لكنها ليست بالضرورة تعكس الحقيقة الكاملة. قبول القلق كمجرد شعور وليس كدليل (قبول القلق شعورًا وليس دليلًا) على خطر حقيقي يمكن أن يساعدنا في تقليل التفكير المفرط.
- ممارسة التفكير الإيجابي: نحاول استبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية (الصحيح: استبدال الأفكار الإيجابية بالأفكار السلبية. ولو التركيب هيلخبط الناس بسبب الاعتياد ممكن نقول: نحاول ترك الأفكار السلبية والتركيز على الأفكار الإيجابية). عند مواجهة موقف يُثير القلق، نُفكر في نتائجَ إيجابيةٍ محتمَلة بدلًا من التركيز فقط على الأسوأ.
- التحدُّث مع الآخَرين: من المفيد أحيانًا مشاركةُ مشاعرنا وأفكارنا مع شخص موثوق به. يمكن أن يُقدم لنا منظورًا مختلفًا ويساعدنا في رؤية الموقف من زاوية أُخرى.
- الاستعانة بالعلاج النفسي: إذا كان التفكير المبني على العاطفة يؤثر تأثيرًا كبيرًا على حياتك اليومية، فقد يكون من المفيد استشارة مختصٍّ في العلاج النفسي. يمكن أن يساعدنا المعالِج في تطوير استراتيجيات للتعامل مع هذا النوع من التفكير.
الخاتمة:
التفكير المفرط والتشوهات المعرفية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على جودة حياة الأفراد. من خلال الوعي بهذه التشوهات وفهم كيفية تأثيرها على تفكيرنا وسلوكياتنا، يمكننا العمل على تحسين طُرق تفكيرنا وتعزيز صحتنا النفسية.
في النهايةِ يمكن القول إن التمييز بين الشعور والفكرة هو مهارةٌ مُهمةٌ تساعد الأفراد في العيش بسلام نفسي أكبر، والتعاملِ مع التحديات اليومية تعامُلًا أكثرَ فعالية. التركيز على الحقائق بدلًا من الانجراف وراءَ المشاعر يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثرَ حكمةً وتحقيقِ توازن أفضلَ في الحياة.
المقال مستند علي محتوى فيديو ومرئية لد.عماد رشاد في أحد دوراته والموجودة في أول المقال
فريق الموقع
تحرير د.عمرو مرسي
الشعور حقيقي و لكن ليس بالضروره تعكس الحقيقه
الجمله دي تغير مسار حياتنا كلها
وما هو سبب ذالك،ثانيا هل كل مايمر الشخص بفكره يحاول يحولها لاجابيه، فعلي اساس ذالك ممكن ان يخذ وقت طويل أو يصب لشئ من الوساوس
جميل جميل جدًا، حقيقي وسبحان الله كان عندي نفس هذه المشاعر وتملكتني لدرجة انهيار تام.
شكرا د. عماد على هذا السحر ف الطرح والتناول ملهم جدًا والتفاصيل مرة خطيرة.
اتمني لو تضيفو اسم الدورة مع الفيديو ،في حالة الرغبه في الاشتراك
شكرا على الاقتراح – دورة التعامل مع التفكير المفرط
شكرا على المجهود الي بتقدم لنا
جزاك الله خيرا