نُشر من قبل في المدوَّنة السابقة بتاريخ 13 نوفمبر 2018
حينما تظلم الأمور حولي قليلًا تنتابني أفكار تَصب جميعها في معتقد راسخ “لستَ كافيًا”. معتقَد أشترك فيه مع كثيرين غيري، مرتكَز لمخاوفنا أننا لسنا على المستوى المطلوب، لسنا مؤهَّلين بما يكفي لأمرٍ ما. تنتابني أفكار (لستَ زوجًا كافيًا.. لستَ أبًا كافيًا.. لستَ عبدًا لله بما يكفي! لستَ رجلًا كافيًا.. لستَ طبيبًا كافيًا..)، الشعور بعدم الكفاية، أننا ناقصون بشكل ما، تنقصنا جاهزيةٌ ما للقيام بالأمور العادية!
أقرأ في تربية الأطفال فتلتهمني جلدات “لست أبًا كافيًا”؛ أنا لا أعرف كلَّ هذا، لا يمكنني القيام بالأمر، أنا مقصر، أنا لا أكفي! أقرأ في العلاقات وأتأمل طرائقي في معاملة زوجتي فأُدرك أنني لا أعرف كل هذا؛ أنا لا أكفي. تُظلم الدنيا مع أحد عملائي ويحدث تعثُّر يستوجب التفاتًا جذريًّا فأقرأ وأسأل وأبحث، ويهمس داخلي الصوت “لست كافيًا.. لست مؤهَّلًا.. أنا لا أكفي.. لست على المستوى المطلوب!”
واليوم تساءلت: وما هو المستوى المطلوب في كل هذا؟
ليس المستوى المطلوب هو تلك المعايير العالية لدى المثاليين والكماليين أمثالنا، ليس هو ذلك السقف الذي يرتفع كلما اقتربنا منه!
المستوى المطلوب هو الحد الأدنى للكفاية، الذي لا ننتبه جميعًا أننا نحوزه فعليًّا!
فما الذي تحتاج إليه زوجتي وأبنائي وعملائي؟ ما الذي تحتاج إليه كافة زوايا حياتي (باعتبار ألَّا أُحدث ضررًا كأساس)، هو ببساطة: الوجود!
To be there!
Being = existence!
أن توجَد.. أي أن الحد الأدنى اللازم لأي شيء هو محض وجودك! والوجود هو أمر نتساوى فيه جميعًا، هو خاصية مضمونة ملتصقة بنا، أن نوجَد يعني أننا كافين، لدينا حد الكفاية! كفاف الحياة بكافة أبعادها هو محض وجودنا ذاته! كل ما فوقه هو فضل وزيادة، هو نافلة وإضافات، نعم قد نتفاوت فيها ولكن ذلك التفاوت لا يعني أن الأقل قد خرج عن حيز الكفاية!
إنك تكفي.. فقط لأنك أنت!
أنا أكفي.. لأنني هنا!
وما فوق ذلك هو مزيد قد يتحقق بالسعي، وغيابه لا يعني خروجنا عن حيز الكفاية!
إن الأفكار التي تستحوذ علينا في المقارنات، أو الكمالية المفرطة، أو الدونية اللصيقة بالخزي نتيجةَ ما تَعرضنا له بحياتنا، تُخبرنا أننا لا نكفي وأننا أقل مما ينبغي وأننا لسنا على المستوى المطلوب = هي محض وهم معطِّل يشلنا.
يبدو أننا نحتاج إلى مجابهتها بطريقة أفضل، بأن نُذكر أنفسنا دومًا ما هو المستوى المطلوب للكفاية وما ينبغي للحد الأدنى للكفاءة، هو محض وجودي هنا والآن، وهو أمر مكفول للجميع، إذن فأنا أملك الحد الأدنى للكفاية.. أنا أكفي بمحض وجودي الصادق اليقظ الحاضر في اللحظة، الوجود المجرد دون تنمقات ولا ألاعيب ولا خداع.
نعم، ربما أسعى للمزيد، لكنني أملك الكفاية، وسعيي هنا إضافة ونافلة لا تحمل هوس المجاعة ولا لهاث السقيم، إنما طموح الثابت الممتلئ بالسكينة!
أحتاج إلى أن أُذكر نفسي دومًا بذلك لئلا تلتهمني إرهاقات التشكيك الداخلي، تلك التي كنتُ أَهزم بها نفسي دومًا حين لم تستطع الدنيا هزيمتي؛ كانت كل هزائمي تنبع من داخلي أنا! كنتُ أنا عدوي الأكبر حين أُشكك في كفاياتي واحدةً تلو الأخرى فأنسحب وأنسحب!
الكفاية هي محض الوجود..
والحد الأدنى والمستوى المطلوب هو فقط أنك هنا.. حاضر.. ولا شيء أكثر.
