هناك شيء غاية في الذكاء بدأ يستخدمه الملحدون العرب حاليًا، ‏وهو ظهور شباب قمة في الأخلاق والرقي في النقاش تَظهر عليهم أمارات السواء وملامح الاتزان النفسي (قصي بيطار نموذجًا). وهو ما يصنع نوعًا من ردة الفعل الوجدانية العميقة لدى المستمع حين يقارنهم بأشخاص ظاهري الاضطراب أو عندهم مشكلات خُلقية واضحة أو يمتازون بالوقاحة المفرطة، يُمثلون بعض مشايخ الرد على الإلحاد! (أظنكم تعرفون النماذج). ‏فيبدأ المستمع في عقد مقارنة وجدانية بين التوجهين:

  • توجه لطيف “شيك” رائق ومنمَّق يحترم الآخَر. (‏شاهد أي فيديو لقصي بيطار وانظر كيف يستخدم لغةً راقية جدًّا متعمدًا فرط الاحترام!)
  • وتوجه متدنٍّ فظٌّ غليظ بذيء اللسان يَحتقر الآخَر ويستعلي عليه، ويتعامل بغطرسة شديدة وعجرفة تتوهم الانطلاق من ﵟوَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَﵞ فتكون منفرة للمتردد وإن ساعدت العدوانيَّ على التنفيس عبْر التماهي مع الشيخ الغليظ.

‏دعوني أكون صريحًا تمامًا: إن الظاهرة الإلحادية -والإيمانية كذلك- تنطلق من جزء وجداني/ نفسي (وتكون ردة فعل داخلية انطباعية لا واعية أحيانًا)، وليست دائمًا تنطلق من توجه عقلي نقي العقلانية. ‏لذا تمنيتُ لو تعلَّم السادة المتصدرون للرد على الشبهات أسلوبًا أكثر رُقيًّا ولطفًا في التعامل، بل تعمُّد ذلك ولو تكلُّـفًا، بل ربما يتواضعون لتلقي دورات خاصة في الحوار والتواصل والتأثير النفسي لِما وراء التواصل بجوار تكوينهم الفكري والشرعي. ‏فالانطباع النفسي الناجم عن الحوار في عصرنا الحالي يكاد يفوق في أثره التأصيل العَقَدي والفكري. ‏ولنا في الإشارة الربانية النفسانية اللطيفة كثير إلهام: ﵟوَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَﵞ. ‏نعلم أن هناك معركة هوية، وبلا شك هناك هجمات استشراقية، ولكن ينبغي علينا ألا تعمينا عدوانيتنا الدفاعية عن تلمس الإرث القيَمي والأخلاقي في ديننا.

‏كم أتمنى لو لاحظ السادة المتصدرون للدعوة ومتابعوهم هذا الأمر، فتحلَّوا بمزيد من التماسك النفسي في النقاشات ولم يسمحوا لأنفسهم بالانزلاق في مراشقة كلامية أشبه بـ “الردح”، فإنما نجِد تأثيرات فادحة على المستوى الانطباعي الوجداني تفوق أثر الحُجة والبرهان! ‏وأن يدَعوهم من فكرة “قَطَعه.. وألجَمه.. وألزمه.. وبَّين جهلَه”، ويتركوا نرجسيةَ “جَلده.. وأفحمَه” وحظَّ النفس من الغلبة والانتصار.

‏وصورة الملحد العربي الجديد تشهد تحولًا -أظنه مقصودًا- ينبغي أن يُفطَن إليه. لا أنكر أنني حين شاهدت بعض أعمال قصي بيطار وبعضَ أعمال مناوئيه (ممن أنتمي إليهم مذهبًا وعقيدة) أدركتُ حينها خطورة التأثير النفسي اللطيف الذي يخلفه احترامُه ورُقي نقاشه، ثم دخلتُ بعض الحسابات التي في دائرته فاكتشفت أن هناك شكلًا من توخي ذلك التوجه. ‏ويكفي أن يكون ذلك تمريرًا لفكرة: إن كان الدين أصلَ الأخلاق فلماذا يتحلَّى الملحد بأخلاق حوارٍ أكثرَ رقيًّا مما يَظهر من الشيخ!

وأرجو أن تحسنوا الظن، فإنما ذلك لصالحكم ورب الكون!

الحقيقة أنني لم أعرف قُصي بيطار سوى اليوم، ولكني فوجئت بالانطباع الذي أصابني من مشاهدة بعض “فيديوهاته”، ‏بل الحقيقة أنه هزني على المستوى النفسي وجعلني أُقرر التخلي عن العدوانية في النقاشات والجدالات. فعلى الرغم من اختلافي الجذري معه – لكوني مؤمنًا – فإن الانطباع والموقع الوجداني الدي يخلفه في النفس بفرط رُقيه وتحضُّره في النقاش (ونعم، لاحظتُ أن أسلوبه لا يخلو من هزءٍ مبطَّن) قد جعلني أفكر كثيرًا في ضرورة رُقي شكل الطرح بجوار محتوى الطرح. وانتبهتُ لافتقادي للإرث القيَمي والسَّمت النبوي الرفيق في الجدال، وتسرُّب حظوظ النفس لصراعاتي الفكرية؛ ‏فالأمر أقرب لاستلهام شخصي لتأثيرات الأخلاق والأدب الجم للرجل، وأثارني تأثير ذلك عليَّ. ثم مقارنة عقدتُها مع أخلاق بعض المتصدرين مما أشعرني بنوع خطر للتأثير الانطباعي والوجداني للأطروحات. وأهل الإيمان أحق بها، ‏فلا ينبغي أن تغرَّنا متانة الطرح الإيماني واستمداده من الوحي لنغفل عن تغليفه بالرفق. كما أنني تعلمت أن الممتلئ يَرفق، والهش يستعلي، وانعدام الأمان (الانسيكيورتي) يسعى للتعويض بالهجوم عبر التقليل من النظير، فقررتُ التخلي عنها في نفسي ابتداءً.

اكتشفت أنني تأثرت بثقافة “الشدة على المخالف”، التي تُمثل طباعًا شخصية عنيفة لدى بعض الدعاة والمتصدرين، بل حتى أئمة سابقين، ولم أفطن إلى فصل الطبع الشخصي والخُلقي للشخص عن دينه وحُجته، فأستقي الحُجة وأدَع التماهي مع الطبع الجاف أو الغليظ أو حتى البذيء والمستهزئ. ‏وظننتُ طويلًا أن القسوة والعدوانية في النقاش تعادل قوة الحُجة، حتى غفلت عن أن غاية النقاش الإقناعُ لا الانتصار، والحقُّ لا الغلبة، ورجحانُ الفكرة لا حظُّ النفس. وطويلًا تبنيتُ نظرة “جلَّاد الأعداء” وتفاهةَ “mic drop” و”فنونَ الرد” فجعلتني أغفل عن كون المقابل لي إنسانًا مثلي ربما يبحث عن حقيقة غابت عنه لحجابٍ نفسيٍّ، فلا أكون عونًا للباطل عليه بترجيح نفوره النفسي عبر إفحامٍ وإلجامٍ يوقِظ دفاعيته ويستفز ثأريَّته، فأنتصر في معركة وهمية، وأخسر روحًا وأفقد نفسًا كان حريًّا بي -لاختصاصي بالنفوس- أن أكسبها!

‏وكل العجب أن جاءت هزتي اليوم وقراري بالعمل على عيبي الشخصي (في الشدة على الخصوم في النقاشات) واستعدادي للتنازل عن ذلك الخُلق السيئ مني؛ أن جاءت من بعض الفيديوهات التي ظهرت لي مصادفةً لملحد ألجمني لطفه وأدهشني رُقيه واستفزني -للغاية- أدبُه!

19 تعليق على “الإلحاد الراقي أخلاقيًّا.. ظاهرة جديدة ومربكة

  1. عمر يقول:

    اولاً، تصوير الشباب الملحدين وكأنهم ضحايا فقط بسبب مشاكل نفسية أو خلقية هو تسطيح للمسألة.
    نعم، بعضهم عنده دوافع نفسية، لكن في النهاية: هم مسؤولون عن اختياراتهم.
    الخطأ أنهم اختاروا طريق الرفض والعناد بدل البحث الصادق عن الحق، وفتح قلوبهم للهداية.

    ثانياً نقطة، لو فعلاً نبي نصحح المسار، لازم نكون منصفين:
    نواجه الملحد بأفكاره كما هي، ونرد عليه ردًا علميًا وفكريًا متينًا، مع الحكمة والرحمة.
    أما المبالغة في التماس الأعذار، وكأنهم مغلوبون على أمرهم، فهذا لا يخدمهم ولا يخدم الحقيقة.

    باختصار: نحتاج إلى إنصاف.
    إنصاف في وصف المشايخ، وإنصاف في فهم حقيقة الإلحاد وأسبابه، بدل ما نصور الملحد وكأنه ضحية فقط، ونهاجم أهل العلم وكأنهم هم المشكلة.

  2. Ahmed mohamed يقول:

    دكتور عماد انت شخص شاطر في شغلك ولك كامل الاحترام
    حضرتك لك كامل الحريه للتعبير عن رأيك لأكن لست من أهل التخصص في مقارنه الأديان او الأنثروبولوجي ولا حتي أنا
    لأكن بعبر عن رأي مع إيماني بان لا يوجد حقائق مطلقه رأي يحتمل الخطأ والصواب لأكن لم استخدم رأي انه بحثا مطلقا عن الواقع وحقيقه الموضوع

  3. فاطمة الحيان يقول:

    إنك على ثغر عظيم دكتور آدم ، بارك الله في علمك و رزقك أجر من أنرت نفوسهم و زرعت فيهم أمل التعافي

    • Baaaasss maaajd يقول:

      نبحث عن الحقيقة في ملايين الكتب التي تطعن ببعضها البعض ؟ ام نلهث وراء قوتنا اليومي وحالتنا العصيبة
      واضح من صاحب الاخلاق وواضح جدا من يدعيها

  4. مدمن يتابع عماد 😹 يقول:

    .سبحان الله ، شاهدته قبل فترة قصيرة ، وكان له نفس التأثير النفسي ، وليوم تفاجئت بكم وانتم تذكروه ، خصوصًا ان المستمع بالغالب يتبع عاطفته ، شكراً على التنبيه

  5. Saleh M AlSharami يقول:

    نعم ما نحتاج هو فن طرح الفكرة لا ضرب الفكرة ﴿إذهبا الى فرعون فقولا له قولاً لين*لعله يتذكر أو ان يخشى ﴾

  6. samaaali316 يقول:

    أنا معك دكتور بهيك نوع من النقاشات و الرود واجب الاحترام من الطرفين و الرد ع الحجة بلا شخصنة هادا بيخدم الطرح أكتر ،
    بس بختلف باستغرابك من أخلاق الملحد لأنو أخلاقنا بتتأثر بكتير عوامل الدين واحد منا أكيد بس هادا ما بيعني اللي بيترك الدين بصير بلا أخلاق و قليل أدب لأنو ببساطة هو تخلى عن الدين بس ما اتخلى عن ثقافتو و تربيتو و تجربتو الحياتية
    لهيك بتشوف اليوم شب متل قصي بيطار الملحد بيشبه قسم من شباب الشام المسلم بأدب التعامل مع الاخر خصوصي الأجيال الأكبر لحد جيل التمانيات اللي ما أتأثرت تنشأته بالحرب
    فمثلا قصي بعد ما ألحد اكيد غير كتير من أفكاره بس هادا ما بيعني أنو اتخلى عن كل ثقافتو
    وحتى لو هو نفسه قرر يغير فالموضوع صعب
    و مثال تاني بالعكس سراج الحياني كان لاديني و من سنة رجع أسلم  أسلوبو قبل و بعد ما اتغير
    بالمختصر فكرة الالحاد الأخلاقي شايفتا غلط لأنو في إنسان أخلاقي بغض النظر عن دينه و لهيك بكل دين و بكل مجموعة في أشخاص جيدين و أشخاص سيئين
    و آسفة لو تعليقي طويل بس لأني متابعة لحضرتك من زمان من أيام الحكم العطائية و بداية سلسلة التعافي و استغربت موقفك من الأخلاق و الالحاد
    و بتمنى مع أنك متابعة هيك نوع من النقاشات ترد د .حسن عيسى و مازن المرتد بطرحهم بخصوص حرية الإرادة كجانب نفسي لأنو بشوف حسب دراستك و أفكارك حيكون عندك ردود لطرحهم

  7. Omar A يقول:

    شكرا لك يا دكتور عماد
    والله قرأت المقال وانا اتلهف من كثر الفرحة بأني وجدت هذه الظاهرة المهمة للغاية المنتشرة وبكثرة عند اغلب الملتزمين، وهو ما هز عقيدتي لوهلة وازعجني، وهو حقيقة ما يخالف شمائل النبي في التعامل
    اشكرك جدا وممتن اني سمعت منك تعافي مربوط بالدين، والله اني بالتعافي واجهت مشاكل بربطها بالدين، ولكن سمعت حلقة لونس وكلامك عن ربط الدين بالتعافي كان مساعد جدا وجردت كل الافكار اللي عرضتها بكلامك بتلك الحلقة وكانت الافكار مساعدة جدا لي وساعدتني اتخطى جبل جليد فكري عن مشكلة ربط الدين بالتعافي

  8. محمد يقول:

    من الشيوخ الذين يمثلون نموذج للشيخ الراقي في الحوار هو الحبيب علي الجفري ..إنسان مهذب وخلوق و بشوش إيا كان الحوار الذي يتكلم فيه ومهما إختلفت معه في نقاط أظل أحترمه لرقيه في الحوار

  9. مجهول يقول:

    لم أرى فيه أي رقي أخلاقي، بل يدلس كثيرًا، وله نبرة تعالي واضحة.
    لكن أوافق على أنه يجب تحسين طريقة النقاش معهم، ليس لأن لديهم أي حجج قوية، لكن لأنها تكشف زيفهم بمجهود أقل يتناسب مع حجمهم، وتورث من يقرأ النقاش هذا الأسلوب الهاديء.

  10. سارة صراف يقول:

    لم تفشل حروفك أنت تؤثر في يوما ما منذ قرأت لك أول مرة
    والله إنك تملك من البلاغة ما سيبلغك مرادك
    أُشَجعك وبقوة فأنت أهلٌ لذلك
    وفقك الله ورزقك الإخلاص والتمكين وطلاقة اللسان وشرح صدرك

  11. alkhalifa_007 يقول:

    أفكار كثيرة تتزاحم في رأسي وأنا أكتب هذا التعليق.
    الدكتور عماد رشاد… هذه الأيقونة التي غيّرت نظرتي للإدمان، وعلّمتني دروسًا لا تُنسى. بفهمك العميق، وإحاطتك الكاملة بجذور هذا المرض المعقد، استطعت أن تشرح ما يعجز عنه كثيرون. فهمك يتطلب عقلًا حادًا وروحًا حكيمة، وقد كنتَ كذلك بالفعل.

    لكن في ذات الوقت… كيف يمكن لعقل بهذه الحكمة والوعي أن يبقى أسيرًا لمفاهيم مثل الدين والإيمان؟
    أحيانًا، راودني الشك: هل تُظهر ما لا تبطن؟ هل هو تمثيل؟
    فحين سألتك قبل سنوات، في تعليق على إحدى حلقاتك عن الإدمان، عن معاناتي مع “خطوة التسليم للقوة العظمى”، وذكرت لك أنني لا أستطيع القبول بها ، فرغم عقلي المدمن ، لا استطيع أن أسلم في ظل غياب أي دليل علمي أو منطقي على وجود هذه القوة… كانت إجابتك دعوة لقراءة بعض الكتب، ومشاهدة مشهد من فيلم Bill W , و رسالته بإن الإيمان يمنح البعض الراحة، أو أن له دورًا نفسيًا في التعافي… وهذا صحيح لدى البعض، ولا أنكره. لكن هناك فرق بين أن يكون “الإيمان أداة مؤقتة”، وبين أن يُبنى عليه تصور شامل للكون والحياة، خاصةً عندما يُقدَّم كحقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش.

    أنا لا أهاجمك يا د. عماد، بل أكتب من مكان مليء بالاحترام والتقدير لما قدمته لي وللآلاف من أمثالي. لكن من حقي أن أتساءل، بل ومن واجبي أن أراجع، أن أشك، أن أتحرر.
    الإدمان علّمني أن الانفصال عن الواقع خطر، فكيف أهرب من ألم الإدمان إلى وهمٍ آخر؟
    لقد خضت صراعًا داخليًا طويلًا، وكنت أظن أنني المريض لأنني لا أستطيع “التسليم”، لكن الحقيقة التي تصالحت معها هي أن رفضي لذلك لم يكن مرضًا… بل كان وعيًا.

    قصي بيطار، في محاضراته وحلقاته، لم يطلب مني أن أؤمن بشيء، بل دعاني لأن أفكر. أن أشك. أن أُحكّم عقلي، لا أن أُسلمه.
    ولأول مرة شعرت أنني لست مكسورًا، أنني لست خاطئًا لأنني لا أؤمن.
    بل إنني كنت صادقًا مع نفسي، ولم أسمح للخوف أو الحاجة للهروب أن يقوداني نحو الراحة الزائفة.
    كما أراك أيقونة في فهم الإدمان، أرى أيضًا قصي بيطار أيقونة في تحرير الفكر من قيود الموروث. ربما يكون من أمهر من استخدم المنطق في العالم العربي !
    جمع بين العقل والعاطفة، وكان في رأيه عدل، وفي منطقه إنصاف، وفي روحه طيبة تنم عن وعي عميق ونفس راقية.
    أسلوبه ليس مهذبًا فقط، بل هو هكذا بالفطرة، لا يُمثّل ولا يتصنّع لينال إعجابًا أو كسب متابعين.
    فضلاً عن حكمته وتوازنه الرائع، يملك قدرة مذهلة في كشف المغالطات المنطقية بدقة مدهشة، ويبحث عن الحقيقة كما هي، بلا تجميل ولا تصفية ولا تصوّرات موروثة.

    كما ساعدتني أنت في الخروج من ظلمات الإدمان، ساعدني قصي بيطار في الخروج من ظلمات الإيمان.
    وربما الآن حان دورك، لتواجه الحقيقة كما هي ، مجردة، قاسية، ولكن منيرة.
    قصي لم يكن فقط مهذبًا في أسلوبه، بل كان دقيقًا، علميًا، عقلانيًا. وقد أجاب عن كل تساؤلاتي، دون الحاجة لقفزات إيمانية أو تسليم غيبي.

    قد نختلف يا د.عماد ، لكني ما زلت أراك شخصًا نبيلًا، مثقفًا، ذا أثر عظيم.
    لكنني اليوم أكتب لك من الضفة الأخرى… ضفة الشك والتحرر.
    فربما، كما ساعدتنا على مواجهة الإدمان، يمكنك يومًا أن تواجه أسئلة الإيمان بالقدر نفسه من الشجاعة.

    • AwaB 42 يقول:

      رد إلى الأخ الكريم:

      قرأت كلماتك بتمعّن، وتأثرت كثيرًا بما مررت به من صراع داخلي مع الإدمان، وبالامتنان الصادق الذي أظهرته للدكتور عماد رشاد، الذي أثّر فيك بعمق. لا شك أن صدقك واضح، وتجربتك مؤلمة، وسعيك للحقيقة جدير بالاحترام.

      لكن دعني أشاركك وجهة نظر أخرى، من أخٍ لا يريد جدالًا، بل يبحث كما تبحث.!

      1. هل الإيمان مجرد وهم نفسي؟

      كتبتَ أن الإيمان قد يكون “هروبًا آخر من الواقع”، و”راحة زائفة”.
      لكن هل كل ما يريح النفس وهم؟

      الأم التي تحتضن طفلها: وهم؟

      الحب، الرحمة، العدالة، الوفاء… كلها مفاهيم لا تُقاس في المختبر، لكنها حقيقية بعمق.

      فهل الغيب باطل فقط لأنه لا يُقاس بالميكروسكوب؟

      الإيمان بالله، كما فهمه كبار المفكرين، ليس حبة مهدئة، بل رؤية عقلية متماسكة للعالم:

      من أين جاء الوعي؟

      لماذا هناك قوانين فيزيائية ثابتة؟

      ما أساس الأخلاق في غياب قوة أعلى؟

      ما الغاية من الحياة أصلاً؟ هل العبث هو النهاية؟ وهل تقبله حقًا؟

      قصي بيطار لا يملك إجابات نهائية لهذه الأسئلة. بل هو ماهر فقط في هدم التصورات الدينية، لا في بناء بديل وجودي متماسك.

      – هل بيطار عقلاني فعلاً؟ أم فقط ساعدك نفسيًا؟

      أنت تقول: قصي ساعدني على التحرر

      ربما فعل، لكنه:

      لم يُثبت أن الكون بلا خالق.

      لم يُثبت أن الدين خرافة.

      لم يُثبت أن الغيب مستحيل.

      بل فقط:

      منحك شعورًا بالتحرر من الذنب.
      قدّم خطابًا مهذبًا يواسي المشككين كما تتدعي
      وهذا ليس برهانًا، بل دعم نفسي بلغة عقلية.

      – أن تشك، لا يعني أن تتيقّن من نفي الإيمان

      أنت تقول اليوم أكتب من ضفة الشك والتحرر

      جميل.
      الشك بداية البحث، لا نهايته.
      لكن أن تعتبر الشك نهاية اليقين، وتبدأ تدعو غيرك “ليتحرر مثلك”…
      فأنت لم تعد مشككًا، بل داعية لفكرة مقابلة، بلا يقين برهاني.

      وهذا ما حذرتَ منه في كلامك: “اليقين المطلق”، لكنه ما وقعت فيه دون أن تشعر.

      إلحادك ليس وعيًا فقط، بل موقف إيماني أيضًا

      حين تقول:

      رفضتُ فكرة التسليم لغيبي لا أراه

      فأنت لم تكتفِ بعدم الإيمان، بل اتخذت موقفًا إيمانيًا معاكسًا: أن الكون بلا غاية، بلا قوة فوقية، بلا حقيقة خارج المادة.

      هذا إيمان ميتافيزيقي غير مُثبت، مثله مثل الإيمان بالغيب.
      والعاقل يوازن بين “الإيمان المعقول” و”الإلحاد المعقول”، لا يهرب من واحد ليقع في آخر بلا تفكير.

      أخيرًا يا اخي

      لست هنا لأدافع عن أشخاص، بل عن فكرة أراها عميقة، جميلة، ومتماسكة.

      قد تكون جُرحت من التدين، أو من مفاهيم إيمانية مشوّهة.
      لكن لا تجعل ذلك سببًا لهدم البناء كله.

      ابحث كما تشاء، شك كما تريد، لكن لا تظن أن الطريق انتهى عند بيطار، أو أن الشفاء الفكري لا يكون إلا عبر بوابة الإلحاد.

      الحقيقة أكبر من الألم، وأوسع من التجربة الشخصية.

      والسلام عليك.

    • محمد أحمد يقول:

      أي علم وأي منطق تتحدث عنه ؟

      هل المنطق عندك أنك جئت من العدم ؟ أنك خلقت من اللاشيء؟
      هذه الأوليات العقلية البديهية التي لو أنكرتها فحينئذ لا يكون للعقل ولا للتفكير ولا لأي شيء فء هذه الدنيا أي معنى.

      السببية ضرورة من الضرورات العقلية، فما من شيء إلا وله سبب، حتى نصل إلى مسبب الأسباب.

      ومعنى كونها ضرورة عقلية أي أنها أمر فطري بدهي يعرفه الأطفال، بل تعرفه الحيوانات والبهائم، كل ما حولنا يسير على هذه الضرورة.

      معنى كونها ضرورة أي أنها مثل عدم اجتماع المتناقضات مثل أنه يستحيل أن يكون هناك إله وليس هناك إله في نفس الوقت.

      معنى ذلك إذاً أنك حين تنكر السببية وتزعم أنك جئت من لا شيء فلا فرق بينك وبين من يزعم أن المتناقضات يمكن أن تجتمع.

      فحقيقتك أن مسفسط، فإنكارك لبديهية عقلية يجعل النقاش معك عديم القيمة، لأنك ببساطة تنكر شيئاً هو مغروز في عقلك، فإن أنكرته فأنت تشهد على نفسك بالجنون لا أكثر ولا أقل.

      فأنا أرد عليك لسبب، وأنت كتبت تعليقك هذا لسبب، وحينما تستدل في تعليقك تستدل لسبب وتستدل بسبب وهكذا.. فماذا تنكر ؟

      هداك الله ورزقك اتباع الحق، واجتناب الهوى.

  12. صفوان يقول:

    عندما قرأت مقال د عماد أدركت ان الكثير منا قد تبني نظرية بسكال التي تقول باختصار ( لو نؤمن بوجوده افضل من عدم الإيمان، ، فبعد الموت ووجدنا الاله نكون فائزون اننا مؤمنون ويخسر الملحد ويعذب الي مالانهاية ولو لم يكن موجود فلن نخسر سئ ونكون متساوون مع الملحد وكلنا فالعدم) .. وللأسف كثير منا مؤمن بالله عز وجل ولكن إيمانه مثل ايمان بسكال الذي رايته انه قمة الاسفاف فالتعامل مع قضية الإيمان والالحاد … فنحن بسكاليون ونحن لاندرررري …
    ب ٢٠١٩ شاهدت حامد عبدالصمد وهو يتحدث فسلسله يسميها صندوق الإسلام وللأسف من يستمع له ويقرا كتابه وداعاً أيتها السماء حتماً سيرتبك وليس من الضروري ان يكون لاديني او ملحد ولكن سيدخل بوجدانه ايمااان بسكال الذي ذكرته بدون ان يدري ويتحول لمؤمن بسكالي وليس مؤمن حقيقي …. وعندما قرأت كتاب وداعا أيتها السماء وجدت تشابه خفي بينه وبين كتاب ابي الذي اكره للدكتور عماد فكلاهما تم عصف ذهني له منذ الطفولة وعندما وصل للنضج وتقدم فالسن عليه ان يختار طريق د.عماد او طريق حامدعبدالصمد…
    اسف عالاطالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

0