هناك شيء غاية في الذكاء بدأ يستخدمه الملحدون العرب حاليًا، وهو ظهور شباب قمة في الأخلاق والرقي في النقاش تَظهر عليهم أمارات السواء وملامح الاتزان النفسي (قصي بيطار نموذجًا). وهو ما يصنع نوعًا من ردة الفعل الوجدانية العميقة لدى المستمع حين يقارنهم بأشخاص ظاهري الاضطراب أو عندهم مشكلات خُلقية واضحة أو يمتازون بالوقاحة المفرطة، يُمثلون بعض مشايخ الرد على الإلحاد! (أظنكم تعرفون النماذج). فيبدأ المستمع في عقد مقارنة وجدانية بين التوجهين:
- توجه لطيف “شيك” رائق ومنمَّق يحترم الآخَر. (شاهد أي فيديو لقصي بيطار وانظر كيف يستخدم لغةً راقية جدًّا متعمدًا فرط الاحترام!)
- وتوجه متدنٍّ فظٌّ غليظ بذيء اللسان يَحتقر الآخَر ويستعلي عليه، ويتعامل بغطرسة شديدة وعجرفة تتوهم الانطلاق من ﵟوَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَﵞ فتكون منفرة للمتردد وإن ساعدت العدوانيَّ على التنفيس عبْر التماهي مع الشيخ الغليظ.
دعوني أكون صريحًا تمامًا: إن الظاهرة الإلحادية -والإيمانية كذلك- تنطلق من جزء وجداني/ نفسي (وتكون ردة فعل داخلية انطباعية لا واعية أحيانًا)، وليست دائمًا تنطلق من توجه عقلي نقي العقلانية. لذا تمنيتُ لو تعلَّم السادة المتصدرون للرد على الشبهات أسلوبًا أكثر رُقيًّا ولطفًا في التعامل، بل تعمُّد ذلك ولو تكلُّـفًا، بل ربما يتواضعون لتلقي دورات خاصة في الحوار والتواصل والتأثير النفسي لِما وراء التواصل بجوار تكوينهم الفكري والشرعي. فالانطباع النفسي الناجم عن الحوار في عصرنا الحالي يكاد يفوق في أثره التأصيل العَقَدي والفكري. ولنا في الإشارة الربانية النفسانية اللطيفة كثير إلهام: ﵟوَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَﵞ. نعلم أن هناك معركة هوية، وبلا شك هناك هجمات استشراقية، ولكن ينبغي علينا ألا تعمينا عدوانيتنا الدفاعية عن تلمس الإرث القيَمي والأخلاقي في ديننا.
كم أتمنى لو لاحظ السادة المتصدرون للدعوة ومتابعوهم هذا الأمر، فتحلَّوا بمزيد من التماسك النفسي في النقاشات ولم يسمحوا لأنفسهم بالانزلاق في مراشقة كلامية أشبه بـ “الردح”، فإنما نجِد تأثيرات فادحة على المستوى الانطباعي الوجداني تفوق أثر الحُجة والبرهان! وأن يدَعوهم من فكرة “قَطَعه.. وألجَمه.. وألزمه.. وبَّين جهلَه”، ويتركوا نرجسيةَ “جَلده.. وأفحمَه” وحظَّ النفس من الغلبة والانتصار.
وصورة الملحد العربي الجديد تشهد تحولًا -أظنه مقصودًا- ينبغي أن يُفطَن إليه. لا أنكر أنني حين شاهدت بعض أعمال قصي بيطار وبعضَ أعمال مناوئيه (ممن أنتمي إليهم مذهبًا وعقيدة) أدركتُ حينها خطورة التأثير النفسي اللطيف الذي يخلفه احترامُه ورُقي نقاشه، ثم دخلتُ بعض الحسابات التي في دائرته فاكتشفت أن هناك شكلًا من توخي ذلك التوجه. ويكفي أن يكون ذلك تمريرًا لفكرة: إن كان الدين أصلَ الأخلاق فلماذا يتحلَّى الملحد بأخلاق حوارٍ أكثرَ رقيًّا مما يَظهر من الشيخ!
وأرجو أن تحسنوا الظن، فإنما ذلك لصالحكم ورب الكون!
الحقيقة أنني لم أعرف قُصي بيطار سوى اليوم، ولكني فوجئت بالانطباع الذي أصابني من مشاهدة بعض “فيديوهاته”، بل الحقيقة أنه هزني على المستوى النفسي وجعلني أُقرر التخلي عن العدوانية في النقاشات والجدالات. فعلى الرغم من اختلافي الجذري معه – لكوني مؤمنًا – فإن الانطباع والموقع الوجداني الدي يخلفه في النفس بفرط رُقيه وتحضُّره في النقاش (ونعم، لاحظتُ أن أسلوبه لا يخلو من هزءٍ مبطَّن) قد جعلني أفكر كثيرًا في ضرورة رُقي شكل الطرح بجوار محتوى الطرح. وانتبهتُ لافتقادي للإرث القيَمي والسَّمت النبوي الرفيق في الجدال، وتسرُّب حظوظ النفس لصراعاتي الفكرية؛ فالأمر أقرب لاستلهام شخصي لتأثيرات الأخلاق والأدب الجم للرجل، وأثارني تأثير ذلك عليَّ. ثم مقارنة عقدتُها مع أخلاق بعض المتصدرين مما أشعرني بنوع خطر للتأثير الانطباعي والوجداني للأطروحات. وأهل الإيمان أحق بها، فلا ينبغي أن تغرَّنا متانة الطرح الإيماني واستمداده من الوحي لنغفل عن تغليفه بالرفق. كما أنني تعلمت أن الممتلئ يَرفق، والهش يستعلي، وانعدام الأمان (الانسيكيورتي) يسعى للتعويض بالهجوم عبر التقليل من النظير، فقررتُ التخلي عنها في نفسي ابتداءً.
اكتشفت أنني تأثرت بثقافة “الشدة على المخالف”، التي تُمثل طباعًا شخصية عنيفة لدى بعض الدعاة والمتصدرين، بل حتى أئمة سابقين، ولم أفطن إلى فصل الطبع الشخصي والخُلقي للشخص عن دينه وحُجته، فأستقي الحُجة وأدَع التماهي مع الطبع الجاف أو الغليظ أو حتى البذيء والمستهزئ. وظننتُ طويلًا أن القسوة والعدوانية في النقاش تعادل قوة الحُجة، حتى غفلت عن أن غاية النقاش الإقناعُ لا الانتصار، والحقُّ لا الغلبة، ورجحانُ الفكرة لا حظُّ النفس. وطويلًا تبنيتُ نظرة “جلَّاد الأعداء” وتفاهةَ “mic drop” و”فنونَ الرد” فجعلتني أغفل عن كون المقابل لي إنسانًا مثلي ربما يبحث عن حقيقة غابت عنه لحجابٍ نفسيٍّ، فلا أكون عونًا للباطل عليه بترجيح نفوره النفسي عبر إفحامٍ وإلجامٍ يوقِظ دفاعيته ويستفز ثأريَّته، فأنتصر في معركة وهمية، وأخسر روحًا وأفقد نفسًا كان حريًّا بي -لاختصاصي بالنفوس- أن أكسبها!
وكل العجب أن جاءت هزتي اليوم وقراري بالعمل على عيبي الشخصي (في الشدة على الخصوم في النقاشات) واستعدادي للتنازل عن ذلك الخُلق السيئ مني؛ أن جاءت من بعض الفيديوهات التي ظهرت لي مصادفةً لملحد ألجمني لطفه وأدهشني رُقيه واستفزني -للغاية- أدبُه!
اولاً، تصوير الشباب الملحدين وكأنهم ضحايا فقط بسبب مشاكل نفسية أو خلقية هو تسطيح للمسألة.
نعم، بعضهم عنده دوافع نفسية، لكن في النهاية: هم مسؤولون عن اختياراتهم.
الخطأ أنهم اختاروا طريق الرفض والعناد بدل البحث الصادق عن الحق، وفتح قلوبهم للهداية.
ثانياً نقطة، لو فعلاً نبي نصحح المسار، لازم نكون منصفين:
نواجه الملحد بأفكاره كما هي، ونرد عليه ردًا علميًا وفكريًا متينًا، مع الحكمة والرحمة.
أما المبالغة في التماس الأعذار، وكأنهم مغلوبون على أمرهم، فهذا لا يخدمهم ولا يخدم الحقيقة.
باختصار: نحتاج إلى إنصاف.
إنصاف في وصف المشايخ، وإنصاف في فهم حقيقة الإلحاد وأسبابه، بدل ما نصور الملحد وكأنه ضحية فقط، ونهاجم أهل العلم وكأنهم هم المشكلة.
جميل
دكتور عماد انت شخص شاطر في شغلك ولك كامل الاحترام
حضرتك لك كامل الحريه للتعبير عن رأيك لأكن لست من أهل التخصص في مقارنه الأديان او الأنثروبولوجي ولا حتي أنا
لأكن بعبر عن رأي مع إيماني بان لا يوجد حقائق مطلقه رأي يحتمل الخطأ والصواب لأكن لم استخدم رأي انه بحثا مطلقا عن الواقع وحقيقه الموضوع
إنك على ثغر عظيم دكتور آدم ، بارك الله في علمك و رزقك أجر من أنرت نفوسهم و زرعت فيهم أمل التعافي
استمتعت جدا بالمقال شكرًا دكتور عماد 💙💙💙💙
نبحث عن الحقيقة في ملايين الكتب التي تطعن ببعضها البعض ؟ ام نلهث وراء قوتنا اليومي وحالتنا العصيبة
واضح من صاحب الاخلاق وواضح جدا من يدعيها
.سبحان الله ، شاهدته قبل فترة قصيرة ، وكان له نفس التأثير النفسي ، وليوم تفاجئت بكم وانتم تذكروه ، خصوصًا ان المستمع بالغالب يتبع عاطفته ، شكراً على التنبيه
ما أصدقك مع نفسك!!
الدين براء من سيء الخلق
نعم ما نحتاج هو فن طرح الفكرة لا ضرب الفكرة ﴿إذهبا الى فرعون فقولا له قولاً لين*لعله يتذكر أو ان يخشى ﴾
أنا معك دكتور بهيك نوع من النقاشات و الرود واجب الاحترام من الطرفين و الرد ع الحجة بلا شخصنة هادا بيخدم الطرح أكتر ،
بس بختلف باستغرابك من أخلاق الملحد لأنو أخلاقنا بتتأثر بكتير عوامل الدين واحد منا أكيد بس هادا ما بيعني اللي بيترك الدين بصير بلا أخلاق و قليل أدب لأنو ببساطة هو تخلى عن الدين بس ما اتخلى عن ثقافتو و تربيتو و تجربتو الحياتية
لهيك بتشوف اليوم شب متل قصي بيطار الملحد بيشبه قسم من شباب الشام المسلم بأدب التعامل مع الاخر خصوصي الأجيال الأكبر لحد جيل التمانيات اللي ما أتأثرت تنشأته بالحرب
فمثلا قصي بعد ما ألحد اكيد غير كتير من أفكاره بس هادا ما بيعني أنو اتخلى عن كل ثقافتو
وحتى لو هو نفسه قرر يغير فالموضوع صعب
و مثال تاني بالعكس سراج الحياني كان لاديني و من سنة رجع أسلم أسلوبو قبل و بعد ما اتغير
بالمختصر فكرة الالحاد الأخلاقي شايفتا غلط لأنو في إنسان أخلاقي بغض النظر عن دينه و لهيك بكل دين و بكل مجموعة في أشخاص جيدين و أشخاص سيئين
و آسفة لو تعليقي طويل بس لأني متابعة لحضرتك من زمان من أيام الحكم العطائية و بداية سلسلة التعافي و استغربت موقفك من الأخلاق و الالحاد
و بتمنى مع أنك متابعة هيك نوع من النقاشات ترد د .حسن عيسى و مازن المرتد بطرحهم بخصوص حرية الإرادة كجانب نفسي لأنو بشوف حسب دراستك و أفكارك حيكون عندك ردود لطرحهم
شكرا لك يا دكتور عماد
والله قرأت المقال وانا اتلهف من كثر الفرحة بأني وجدت هذه الظاهرة المهمة للغاية المنتشرة وبكثرة عند اغلب الملتزمين، وهو ما هز عقيدتي لوهلة وازعجني، وهو حقيقة ما يخالف شمائل النبي في التعامل
اشكرك جدا وممتن اني سمعت منك تعافي مربوط بالدين، والله اني بالتعافي واجهت مشاكل بربطها بالدين، ولكن سمعت حلقة لونس وكلامك عن ربط الدين بالتعافي كان مساعد جدا وجردت كل الافكار اللي عرضتها بكلامك بتلك الحلقة وكانت الافكار مساعدة جدا لي وساعدتني اتخطى جبل جليد فكري عن مشكلة ربط الدين بالتعافي
من الشيوخ الذين يمثلون نموذج للشيخ الراقي في الحوار هو الحبيب علي الجفري ..إنسان مهذب وخلوق و بشوش إيا كان الحوار الذي يتكلم فيه ومهما إختلفت معه في نقاط أظل أحترمه لرقيه في الحوار
لم تفشل حروفك أنت تؤثر في يوما ما منذ قرأت لك أول مرة
والله إنك تملك من البلاغة ما سيبلغك مرادك
أُشَجعك وبقوة فأنت أهلٌ لذلك
وفقك الله ورزقك الإخلاص والتمكين وطلاقة اللسان وشرح صدرك