نُشر من قَبل في المدوَّنة السابقة بتاريخ 20 أبريل 2019
أعتذر لأني لا أستطيع أن أُحدثك عن جَمال العالَم وبهجته، ولا أفقه كثيرًا في التفكير الإيجابي وقوة الإرادة وصناعة المستحيل والعلاقات المُحلقة في سماوات السرور؛ لكني أردتُ أن أُحدثك عن ملحمة الاستيقاظ صباحًا في مواقيت الألم، وعن شجاعة الانهزام، وعن مَواطن العجز، وعن خيبة الأمل، وعن الصمود بَعد نكبات الخذلان.
أردتُ أن أُحدثك عن خوفي وارتباكي وتلعثمي، وعن تلك السيناريوهات العديدة البائسة المتناسلة في ذهني قُبيل أي قرار، عن التردد والتوجس والتخبط والتعثر والتبعثر.
أردتُ أن أُحدثك عن المعاناة داخل العلاقات، وعن مجازفة البوح وجسارة الإفصاح وخوف القُرب وهلع الفقد، وعن الوحدة المرهِقة وفي الوقت ذاته: العزلةِ الأخف ألمًا من حيرة الرفقة!
أردتُ أن أُحدثك عن شعوري بالسخف، وتصوُّري لنفسي كعبء ثقيل على أحبَّتي، وعن تأويلات الرفض، وهجمات عدم الاستحقاق، وعن ضيقي بمواقع التواصل لِما تملؤني من مشاعر الدونية بالمقارنة، وضجيجِ ذهني الذي يتهمني بالتقصير والانهزام وتفويت الفرص!
أعتذر أني لا أستطيع أن أُحدثك عن التربية الإيجابية وفقه تعديل السلوك، ولا أملك صورًا لأطفال بعيون ملونة يتحدثون ثلاث لغات ويتقنون العزف على الكمان والسباحة والكتب المقدسة والمكدسة، ولا أملك رصيدًا لأروي لك مواقفي التربوية المُلهِمة معهم..
أردتُ أن أُحدثك عن استنزافي طاقتي في كبت الغضب، والمحاولةِ القسرية للاستيعاب، وعن مشقة المشاركة بأزمنة نفاد القدرة، وعن ضيقي باللعب، وعن شروعٍ في تأفُّفٍ وعن انتهارٍ مَوءودٍ يُصارع دومًا لينصبَّ عليهم فأُجاهد في مواراته.
أردتُ أن أُحدثك عن الملل في العلاقات، وسقوطِ الانبهار وفتورِ الانفعال وصدوعِ سقف التوقعات، وعن معجزة النجاة، وعن الشجاعة الأليمة لمحاولات الاستنقاذ!
أردتُ أن أُحدثك عن سرقة الأحلام، وعن التنازل عن الشغف، وعن التماهي مع الواقع، وعن تأجيل الأمنيات لآجالٍ قد لا تَفي بعهودها. وأردتُ أن أُحدثك عن فقدان الإيمان، وعن تسرب اليقين، وعن التساؤل، وعن الشك والحيرة.
أردتُ أن أُحدثك عن اللهفة والحنين، وعن الغائبين، وعن (نقح) الندوب، وعن تهشُّمٍ مبكِّرٍ أضاع فرصَ السوية!
أردتُ أن أُحدثك عن الاغتراب والوحشة، والاحتياجات غير المسدَّدة، وعن الجوع الداخلي، وعن الضَّعف والهشاشة.. وعن ثقبٍ أسود آخَر يسكننا لم يستطع أحدٌ أن يَمنحنا صورتَه حتى اليوم!
أردتُ أن أُحدثك عني وعنك.. وعنهم.. لكنني لن أفعل.. وسأكتفي بالقول:
لستَ وحدك..
وإن المواصلة.. بطولة..
إن هذا العالم بائس وموحِش.. ولا يُخفف وحشتَه سوى أن نجد مَن نُخبره أن هذا العالم بائس وموحش، فيفهم!
لن نستطيع أن نُصدق أن بآخِر هذا النفق نورًا إن لم نُصدق أنهم قد مروا من النفق نفسه..
طوبى للضُّعفاء الشجعان!
ودمتَ بخير..
والسلام.

أعجبتني جدا مدونتكم الربانية القديمة، استمتعت جدا بالقراءة فيها ولامست كثيرا من جوانب نفسي، أتمنى أن تعودوا لمثل هذه الكتابات قريبا
جميلة جدا لقيت نفسي فيها