إنني لأرَى العجْزَ باديًا في بعض الانتقادات، فمَن لم يستطِع الإحاطةَ بعِلمٍ ما وأعجزته همتُه عن تحصيله، ولم تُسعفه إمكاناتُه لخَوضه، أحيانًا يبدأ في الهجوم عليه والانتقاص منه، ولنا في ذلك أمثلةٌ عديدةٌ أعظمُها قصةُ العلامة “ابن الصلاح” مع عِلم المنطق، من محاولة خَوضه حتى اليأس منه، انتهاءً بذمِّه.
وكذلك رؤية كثير من أعلام النظرية المعرفية والسلوكية ومُنتسبيها للتحليل النفسي من انطلاقٍ من عباءتِها، وانتهاءً بالسخرية الصبيانية منه، ولو أنفق أحدُهم عمرَه ما استطاع أن يُحيط بأطروحات أحد أعلامه، ناهيك عن سَبر غَور تفريعاته.
وربما لهذا أصبحت الأبحاث العلمية المبنية على العلاج المعرفي السلوكي وغيره من المدارس البسيطة -أو الاختزالية- أكثرَ من سواها، لكونها لا تتطلب توقُّدَ ذِهنٍ أو خلفيةٍ ثقافية أو ذكاءً استبطانيًّا أو وقتًا وجهدًا بالغيْن للتمكن مما يُقيم العودَ في مضمارها. لذا راجت، وليس الرواج علامةً على التفوق، وليست كثرةُ الأتباع بأمارة على قِيمة المَتبوع.
ولم تكن السهولة المُوصلة لكثرة الرسائل والأبحاث بعلامة على امتلاك المُستكثرين للحقيقة المطلقة. وتلك من المغالطات الخفية التي يُرَوجها الرائجون، أن الأبحاث تَصبُّ في مصلحتنا! دون الإشارة إلى أنه قد يحتاج المرء لكي يُقدِّم بحثًا في التحليل النفسي إلى رحلة قد تصِل لثماني سنوات، مُقترنةً بذكاء وقُدرة استثنائية على الربط والتجريد والترميز، تَرتفع به لمَصافِّ الفلاسفة والمُفكرين. أما لكي أصنع بحثًا سلوكيًّا فلا أحتاج إلى مثل ذلك “اللوجيست” النفسي والعقلي والزمني. وبالتالي كانت النتيجةُ ازدحامَ الأروقة العِلمية بالرسائل والدوريات والأبحاث والدراسات المَبنية على (اختصارات) الطريق السهل للسلوكية، مع نُدرةٍ نسبية في الموقف التحليلي. مما صدَّر –بِناءً على مُغالَطة القياس الكَمي- وهمَ التفوق التفسيري أو العلاجي للمُرتكَز السلوكي أو البيولوجي أو المعرفي لرؤية الإنسان والنمو والنفس البشرية.